رحلة راوم من الدرجة الثانية إلى كأس العالم- حلم يتحقق

يواجه ديفيد راوم، نجم المنتخب الألماني ولاعب فريق لايبزيج، حالة من الذهول وعدم التصديق إزاء التطورات الهائلة التي شهدتها مسيرته الكروية في غضون فترة وجيزة.
فاللاعب البالغ من العمر 24 عامًا، والذي كان يصول ويجول في صفوف فريق جروثر فورت في دوري الدرجة الثانية الألماني حتى العام الفائت، وجد نفسه في غضون أشهر معدودة، لاعبًا محوريًا وركيزة أساسية في تشكيلة فريقه بدوري أبطال أوروبا، بل وأكثر من ذلك، في تشكيلة منتخب بلاده في كأس العالم.
وقد كان راوم هو من اقتنص ركلة الجزاء الحاسمة التي ترجمها الألمان إلى هدفهم الوحيد في مرمى منتخب اليابان في المباراة الافتتاحية للماكينات في البطولة.
وفي سياق متصل، أجرت صحيفة "ماركا" الإسبانية المرموقة حوارًا مطولًا وشيّقًا مع الظهير الأيسر المتألق، وذلك قبيل المواجهة المرتقبة بين منتخبي إسبانيا وألمانيا في دور المجموعات.
وفيما يلي نسرد نص الحوار الذي دار بين الصحيفة واللاعب:
كيف تصف شعورك الغامر بعد مشاركتك الأولى في بطولة كأس العالم المرموقة؟
"بصراحة مطلقة، النتيجة لم تكن على النحو الذي كنا نتمناه ونتوقعه. ومع ذلك، لا تزال الفرصة سانحة أمامنا لتعديل المسار وتصحيح الأوضاع، فمشوارنا في البطولة لم ينتهِ بعد، ولم نودع المنافسات."
وعلى الصعيد الشخصي، هل تعتبر تجربة تمثيل بلدك في كأس العالم إحدى أروع وأبهى التجارب التي مررت بها في حياتك؟
"إنها تجربة استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهي امتداد طبيعي للأحداث المذهلة التي شهدتها مسيرتي على مدار السنوات الثلاث الأخيرة. فبالأمس القريب كنت ألعب في دوري الدرجة الثانية الألماني، واليوم أنا هنا، أشارك في كأس العالم. لا أستطيع وصف ذلك بأنه تحقيق لحلم، لأنه لم يكن يخطر ببالي أصلًا أن أصل إلى هنا."
لقد أصبحت لاعبًا أساسيًا في تشكيلة منتخب بلادك في كأس العالم، وذلك بعد موسم واحد فقط قضيته في الدوري الألماني الممتاز. كيف تفسر ذلك؟
"هذا تحديدًا ما أود التأكيد عليه. فبالأمس كنت لاعبًا في دوري الدرجة الثانية، وكان أقصى طموحاتي هو خوض مباراة واحدة في الدوري الألماني الممتاز. أما اليوم، فأنا ألعب في دوري أبطال أوروبا مع فريق لايبزيج، وأشارك في كأس العالم. لقد خضت 12 مباراة بقميص المنتخب الوطني، ولا أزال غير مصدق لكل هذه الإنجازات التي تحققت في هذه الفترة القصيرة."
وكيف تفسر هذا القفز الهائل والمفاجئ إلى المستوى العالي؟ فأنت في الرابعة والعشرين من العمر، وكنت تلعب قبل فترة وجيزة في دوري الدرجة الثالثة ثم في دوري الدرجة الثانية.
"لقد كنت ألعب كمهاجم صريح حتى بلغت التاسعة عشرة من عمري، وكنت أشغل مركز الجناح الأيمن أيضًا. ولكن مرت عليّ فترة لم أكن أحظى فيها بفرص منتظمة للمشاركة، ولم تكن الأمور تسير على ما يرام بالنسبة لي. وخلال إحدى الحصص التدريبية، قرر المدرب توظيفي في مركز الظهير الأيسر، وذلك لأنني كنت اللاعب الأعسر الوحيد المتاح في ذلك اليوم. لقد شعرت بغضب شديد في بادئ الأمر! فكل مهاجم يرفض فكرة اللعب كمدافع، وكل ما كنت أصبو إليه هو تسجيل الأهداف وإثبات قدراتي في الخط الأمامي."
"ولكن بعد أن هدأت ثورتي وغضبي، بدأت أكتشف أنني أمتلك المؤهلات والمهارات اللازمة للعب في هذا المركز. وقد ساعدني المدرب كثيرًا على إتقان هذا المركز، واكتشفت أنني أستطيع الانطلاق إلى الهجوم أيضًا من هذا المركز، وأن الفريق يمكنه الاستفادة من عرضياتي المتقنة. وهكذا بدأت القصة. فقد صعدت إلى دوري الدرجة الثانية، وبعدها تعاقد معي فريق هوفنهايم لألعب في الدوري الممتاز، وبعد عام واحد فقط انضممت إلى لايبزيج لأشارك في دوري أبطال أوروبا. إنه أمر لا يصدق!"
تعرّف على كل شيء يخص ديفيد راوم عبر كرنفال في الجول.
وما هي رسالتك التي تود توجيهها الآن إلى هؤلاء المدربين الذين ساهموا في تطورك؟
"أتوجه إليهم بالشكر الجزيل. أعتقد أن وضعي في مركز الظهير الأيسر في أول مرة لم يكن منطقيًا تمامًا (يضحك). ولكني تعلمت الكثير، وكانت تلك هي نقطة التحول في مسيرتي. فقد قدمت 15 تمريرة حاسمة في الموسمين الأخيرين."
وفي المنتخب الوطني، أنت تلعب منذ أقل من عام.
"صحيح. فقد لعبت 12 مباراة. وتلقيت الدعوة للانضمام إلى المنتخب في سبتمبر 2021 للمرة الأولى، وكنت قد خضت مباراتين فقط مع هوفنهايم في الدوري الألماني. وقد وضع هانزي فليك ثقته الغالية في قدراتي وسمح لي بارتداء هذا القميص الغالي. فاللعب لمنتخب بلادك هو أسمى وأرفع ما يمكن أن يحققه أي لاعب."
صف لنا كيف كانت مكالمة الاستدعاء من المدرب؟
"إنها قصة طريفة حقًا. فقد انضممت إلى هوفنهايم قادمًا من دوري الدرجة الثانية، وبعد مباراتين فقط رن هاتفي، وكان ذلك قبل بداية إحدى الحصص التدريبية، وكنت أقوم بتغيير ملابسي في غرفة خلع الملابس. ولم أكن أمتلك رقم المدرب، ولذلك لم أرد على المكالمة."
"وكنت قد انتقلت إلى منزل جديد لتوي، واعتقدت أن المتصل هو أحد عمال الإصلاحات الذين يقومون ببعض التعديلات في المنزل. ثم عاد الهاتف للرنين مرة أخرى، وتعجبت من إصرارهم على الحديث معي، وبالتالي لم أرد أيضًا، لأنني كنت على وشك الدخول إلى الملعب لبدء المران، وفضّلت أن أتحدث معهم في منزلي لاحقًا."
"وبعدها لم يرن الهاتف، وإنما وصلتني رسالة نصية: أنا هانزي فليك. هاتفني.".
"فبدأت أرتجف وخرجت مسرعًا من غرفة خلع الملابس لأعاود الاتصال به. وظننت أنه سيخبرني أنه يتابعني ويراقب أدائي. ولكن المفاجأة كانت أنه قال لي إنه يشاهدني منذ عام كامل، منذ أن كنت ألعب في دوري الدرجة الثانية، وأنه سيضمني بالفعل إلى صفوف المنتخب. وبعدها خضت أسوأ مران في حياتي، فلم أكن أصدق ما يحدث."
"وعندما وصلت إلى المنزل، كانت الأمور جنونية، والجميع كان سعيدًا للغاية. فتخيّل أن تنضم إلى المنتخب الوطني بعد مباراتين فقط في الدوري الألماني! وصديقتي لم تصدق الأمر، فخرجنا لتناول العشاء واحتسينا كأسًا من الخمر. لقد كانت لحظة لا تُنسى."
هل حضرت عائلتك إلى قطر لمساندتك وتشجيعك في كأس العالم؟
"لقد حضرت صديقتي فقط. أما بقية أفراد العائلة، فسوف يشاهدون مباريات كأس العالم من المنزل. وصديقتي هي أهم شخص في حياتي حاليًا، وهي هنا لتقديم الدعم لي."
ليست المجموعة التي وقعتم فيها سهلة على الإطلاق، وبدايتكم لم تكن موفقة. فما تعليقك؟
"هذا صحيح. كنا ندرك تمام الإدراك أنها ستكون مجموعة صعبة وشاقة. فجميع الفرق المشاركة تتمتع بإمكانيات مميزة، ومنتخب اليابان يضم بين صفوفه الكثير من اللاعبين المحترفين في الدوري الألماني. وقد أثبت المنتخب الياباني أنه فريق قوي ومنظم، وذلك بفوزه علينا. ولكن المجموعة لا تزال مفتوحة على جميع الاحتمالات."
منتخب إسبانيا يفكر بنفس الطريقة، ويرى أن المجموعة لا تزال مفتوحة على جميع الاحتمالات.
"قبل المباراة الأولى تحدثت مع داني أولمو، صديقي في النادي، وأخبرته أنهم يملكون منتخبًا مميزًا ولاعبين على أعلى مستوى. وقلنا ربما إن منتخبي إسبانيا وألمانيا ليسا من بين أبرز المرشحين للفوز بكأس العالم هذا العام، ولكننا نمتلك القدرات والإمكانيات التي تؤهلنا للمنافسة، ويجب الحذر منا. وإسبانيا لديها مجموعة رائعة من اللاعبين، خاصة داني الذي يعتبر لاعبًا مذهلًا. أنا أكن احترامًا كبيرًا لإسبانيا، وأعتقد أنها ستكون مباراة قوية ومثيرة."
هل تجمعك علاقة صداقة قوية مع داني أولمو؟
"نعم، علاقتي به ممتازة، ونتفاهم بشكل جيد للغاية. ولكن لسوء الحظ، تعرض لإصابة في بداية الموسم، ولكنه عاد الآن إلى الملاعب. إنه شخص رائع خارج الملعب، وأنا أستمتع باللعب معه. وسوف أطلب قميصه مباشرة بعد انتهاء المباراة."
كلاكما كان أساسيًا في المباراة الأولى، وبالتأكيد ستتواجهان في نفس الجهة في لحظة ما. فهل ستقوم بعرقلته؟
"أنا أستمتع باللعب أمام أفضل اللاعبين في العالم، وخاصة داني الذي أعرف كل مهاراته وخدعه. ولكني لن أتحدث كثيرًا حتى لا أبدو أحمقًا لاحقًا (يضحك). ففي الملعب لا توجد صداقات، ولكني سأعانقه بكل سرور بعد صافرة النهاية."
هل تشعر بأن النجوم الأربعة الموجودة على قميص منتخب ألمانيا تمثل عبئًا ثقيلًا على اللاعبين؟
"اللعب لمنتخب ألمانيا هو شرف ومسؤولية كبيرة، وذلك بسبب تاريخه العريق والأسماء اللامعة التي لعبت بقميصه. ولكن الضغط جزء لا يتجزأ من كرة القدم، وأنا أستمتع به. وأنا أتدرب بكل قوة وإصرار لكي أكون مستعدًا لمواجهة التحديات."
أنت تلعب بجوار أساطير كرة القدم، مثل مانويل نوير وماريو جوتزه وإلكاي جوندوجان وتوماس مولر... فما هو شعورك؟
"إنهم أبطال عالميون، ومن دواعي فخري واعتزازي أن ألعب بجوارهم. أتذكر جيدًا أول يوم لي في معسكر المنتخب، لقد كان الأمر مذهلًا حقًا، لأنني كنت قادمًا من دوري الدرجة الثانية، ولم يسبق لي أن رأيت هؤلاء اللاعبين عن قرب. فقد كانوا بالنسبة لي نجوما تلفزيونية لم يسبق لي مواجهتهم في أرض الملعب. والآن، لدينا أيضًا بطل مونديال البرازيل: ماريو جوتزه."
أين كنت تشاهد مباراة الفوز التاريخي على البرازيل بنتيجة 7-1؟
"لقد شاهدت المباراة مع أصدقائي في المنزل. وكان من المذهل رؤية مشجعي البرازيل وهم يذرفون الدموع، فلم يصدق أحد هذه النتيجة، لقد كانت مباراة تاريخية بكل المقاييس."
لا بد لي من أن أسألك بخصوص موضوع جدلي: ما الذي حدث بينك وبين فيدي فالفيردي في ملعب سانتياجو برنابيو؟
"يسعدني أن تطرح عليّ هذا السؤال، لأنه شيء أردت توضيحه بعد كل ما قيل في هذا الشأن، وخاصة في إسبانيا. فكل ما قيل كان خاطئًا وغير دقيق. فأنا لاعب يتحلى بالكثير من الشغف والحماس في الملعب، وفي الشوط الأول أوقفت كرة عرضية خطيرة من توني كروس وأرسلتها إلى ركلة ركنية، وكنت بالقرب من مشجعي فريقنا، وكل ما فعلته هو رفع ذراعي للاحتفال بهذا الإبعاد معهم. ولكن المشكلة أن فيدي كان يمر في تلك اللحظة من هناك، واعتقد أنني كنت أقصد الإساءة إليه بهذه الإشارة."
"أنا أكن كل الاحترام والتقدير لفيدي، فهو أحد أكثر اللاعبين تطورًا ونضجًا، ومن أفضل لاعبي ريال مدريد والدوري الإسباني حاليًا. ولم أكن أهدف أبدًا إلى التقليل من احترامه أو احترام نادي ريال مدريد. فقد كانت مباراتي الأولى في ملعب سانتياجو برنابيو، وهو ملعب رائع وكنت أتمنى اللعب فيه."
"ولكن المشكلة أنه بعد ذلك، تلقيت أنا وصديقتي تهديدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكان الأمر سيئًا للغاية. وفي نفس المباراة، احتفل فيدي بالهدف الذي سجله أمامنا، وقد تقبلت ذلك بصدر رحب. ولكني لم أفعل له شيئًا. ولم يكن ذلك خطأي، فأنا كنت أحتفل مع جماهيرنا ولم أكن أقصد توجيه أي إهانة إليه. ولكن الأمر انتهى الآن. وإذا تقابلت معه في هذا المونديال، فسوف أصافحه بكل سرور. وآمل أن تكون الأمور قد اتضحت الآن. فأنا لاعب حماسي، ولكني أتحلى أيضًا بالاحترام. وآمل أن أتمكن من زيارة مدريد وإسبانيا دون أي مشاكل (يضحك)."
هل طلبت مساعدة أنطونيو روديجير لتوضيح الأمور مع فيدي؟
"لم أتحدث مع فيدي بشكل مباشر، ولكني أخبرت روديجير بما حدث. ولا أعلم إن كان قد نقل له ذلك أم لا. وأنا أتفهم رد فعل فيدي، لأنه لاعب حماسي للغاية أيضًا، ولكني لم أكن أقصد استفزازه على الإطلاق."
فيدي فتى مميز حقًا.
"يسعدني سماع ذلك، لأن أوروجواي بأكملها ثارت بسبب هذا الموقف. ولكن الأمر انتهى لحسن الحظ، وأنا أكن احترامًا كبيرًا لفيدي."
ربما في المستقبل سنراك تلعب في صفوف ريال مدريد، بالنظر إلى التطور المذهل الذي تشهده حاليًا.
"سيكون ذلك بمثابة الحلم الذي أود أن يتحقق. وأنا لا أغلق الباب أمام أي شيء. فأنا سعيد للغاية في لايبزيج، ولكن ريال مدريد هو نادٍ من ضرب الخيال، وأتمنى اللعب في صفوفه."
هل تتمنى خوض مباراة معينة في كأس العالم؟
"اللعب في كأس العالم هو حلم في حد ذاته، ومباراتنا القادمة ضد إسبانيا ستكون أمام أحد أقوى المنتخبات في العالم. وأنا أحب اللعب أمام أفضل الفرق، وإسبانيا من بين الأفضل. وأنا أكن احترامًا كبيرًا لهذا البلد وهذا المنتخب الذي يمتلك لاعبين مميزين."
وما هي الأجواء السائدة داخل معسكر منتخب ألمانيا في الوقت الحالي؟
"الأجواء رائعة ومميزة للغاية. نحن نقيم على بعد 100 كيلومتر من الدوحة، ولدينا الكثير من الأنشطة الترفيهية التي نمارسها سويًا. فنحن نلعب ألعاب الفيديو، ونشاهد الأفلام في السينما. والأجواء يسودها الود والمحبة، ونحن أصدقاء مقربون خارج الملعب. ويا ليتكم تشاهدون مباريات ألعاب الفيديو التي نخوضها في المساء، فالصراخ يرتفع ويتجاوز حدود غرفنا، ويمكن سماعه في الفندق بأكمله."
أرى أن الأوشام تعجبك كثيرًا.
"نعم، هذا صحيح."
وما هو أول وشم قمت برسمه على جسدك؟
"لقد حصلت على أول وشم لي في السادسة عشرة من عمري على كاحلي، وقمت برسم صليبين لحماية قدمي، لأنني أحتاجها للعب كرة القدم. وأنا أستغل فصل الصيف دائمًا للحصول على أوشام جديدة، فأنا أعشقها وسأواصل رسم المزيد منها."
وما هو الوشم الأقرب إلى قلبك؟
"إنه الوشم الموجود على صدري، وأقوم بإظهاره عندما أسجل هدفًا. وهو يقول "عيش الحلم". فالعامين الماضيين كانا أشبه بالخيال، ولهذا قمت برسم هذا الوشم، لأنني أعيش حلمًا."